يقول الحق تبارك وتعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} سورة الأحزاب الآية 22. تشير هذه الآية إلى غزوة الأحزاب وموقف المؤمنين فيها وحاصلها أن زعماء اليهود أستطاعوا أن ينجحوا في تأليب قريش وغطفان والأحابيش وزعماء القبائل على المسلمين وساروا في جيش قوامه عشرة آلاف مقاتل.
وقبل وصولهم إلى المدينة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم بهم وأستشار أصحابه ورأوا أنهم لا قبل لهم بهولاء إذا ألتحموا بهم وأشار سلمان الفارسي بحفر الخندق ومكث المسلمون قرابة شهر يحفرون الخندق.
وقبل وصول الجيش الزاحف إلى المدينة كان المسلمون قد فرغوا من تحصين مدينتهم بحفر الخندق فلما بلغت الأحزاب المدينة ورأوا الخندق قالوا هذه كانت مكيدة ما كانت العرب تعرفها قبل ذلك ووقف جيش الأحزاب أمام الخندق.
وكلما حاول بعض جندهم أقتحامه حاربهم المسلمون ولم يفلحوا في أقتحامه وسهر المسلمون ليلهم وأيقظوا نهارهم في حراسة ندينتهم ومعهم رسولهم [وحينما حاولت كتيبة من الأحزاب أن تتوجة إلى المنزل رسول اله صلى الله عليه وسلم قاتلهم المسلمون طول نهارهم إلى الليل حتى شغلوهم عن صلاة العصر كما يريدون ودعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومها وقال شغلونا على صلاة العصر ملأ الله بطونهم نارا].
وأستمر الحصار عشرون يوما والمسلمين في دفاع مستميت عن مدينتهم (واستطاع حيى بن أخطب أن يقنع زعيم بني قريضة وأن ينكث عهده مع النبي وأن ينقلب مع الأحزاب) وزلزل المؤمنون زلزالا شديدا وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم وزاغت منهم الأبصار وبلغت قلوبهم الحناجر واخذت الظنون تختلف في الله تعالى.
فالمنافقون قالوا كلاما قبيحا وسخروا مما كان وعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء حفر الخندق حينما وعدهم كنوز كسرى وقيصر فقالوا (يخبركم محمد أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنتم تحفرون الخندق وأحدنا اليوم لا يستطيع أن يبرز إلى الخلاء).
أنهم المرتابون وهم مرضى القلوب وهم المغرورون وفيهم يقول الله تعالى: { وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} ونادى فريق منهم بالرجوع إلى ديارهم وأعتذروا للرسول وقالوا إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا.
أما المؤمنون الصادقون فحينما رأوا الأحزاب تنساب حول المدينة وتضيق عليها الخناق وحينما رأوا يهود بني قريظة قد أنظموا إلى الأحزاب فلم تطر نفوسهم شعاعا بل جابهوا الحاضر المر وهم موطدوا الأمل في غد مشرق كريم وأنها محنة وسوف تزول قريبا وإنها سحابة صيف عن قريب ستنقشع.
فكان موقفهم ما قصه الله علينا في قوله: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} بل هناك ما يشبه الأساطير في مواقف المؤمنين الصادقين في تلك الغزوة إذ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما رأى الأمر قد أشتد على المسلمين أراد أن يخفف عن المسلمين ما هم فيه إذ تحملوا ما لم يتحمله بشر.
فبعث إلى عيينة بن حصن وإلى الحارث بن عوف وهما قائدا غطفان أن يرجعا عن المدينة ولهم ثلث ثمار المدينة واستجاب القوم وبدأت المفاوضات وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زعماء الأنصار سعد بن معاذ سيد الأوس وسعد بن عبادة سيد الخزرج لاستشارتهما في ذلك.
فقالا له يا رسول الله أمرا تحبه فنصنعه أم شيئا أمرك الله به لا بد من العمل به أم شيئا تصنعه لنا؟ قال: بل شئ أصنعه لكم والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب فاردت أن أكسر عنكم شوكتهم إلى أمر ما.
فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعا.
أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا. ما لنا بهذا من حاجة والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم. فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: فأنت وذاك.
وكان الرسول قد كتب صحيفة لغطفان فأخذها سعد ومحا ما فيها وقال: ليجهدوا علينا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعيينة والحارث: أرجعا بيننا وبينكم السيف.
إنه موقف يكشف عن جوهر المسلمين ونفاسة معدنهم وصلابة عودهم وحقيقة اتصالهم بالله وبرسوله وبالإسلام وتفانيهم في سبيل مبدئهم، أنه اتصال يفرضه إيمانهم العميق بعقيدتهم الراسخة وثقتهم التي لا حدود لها بوعد الله وأنهم أقوى ما يكونون صلة بالله وثقة بوعده إبان المحن والشدائد والنوازل التي لم تزد عودهم إلا صلابة ونفوسهم إلا صفاءا وقلوبهم إلا يقينا.
أنه موقف يبين ما تمتلئ به روح المسلمين من قدرة على مواجهة المواقف الحرجة بالصبر والصمود والاحتمال ومن رغبة جياشة في قهر العدو مهما تكتلت قواته وكثر سلاحه أو تعدد حلفاؤه وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (إن الله تعالى ليجرب عبده بالبلاء كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار فمنهم من يخرج أبيض ناصعا كالذهب الأبريز ومنهم من يخرج دون ذلك ومنهم من يخرج أسود محترقا).
أن هذه المعركة لم تكن معركة قتال بقدر ما كانت معركة أعصاب إذ القتلى من الفريقين يعدون على الأصابع ولقد وقع ثقل المقاومة والدفاع فيها على أصحاب الإيمان الراسخ والنجدة الرائعة فكان عليهم أن يكتموا مظاهر القلق التي أنبعثت في نفوس الخوارة الهلوع وأن يعشيعوا موجة الاقدام والشجاعة تغلب نزعات الجبن والتردد التي بدت هنا وهناك عند ذوي الإيمان الضعيف.
ولقد ظهر المؤمنون الصادقون ذوي نفوس صلبة فحينما مرت العواصف المجتاحة بهم تكسرت حدتها على متن إيمانهم وتحولت الزوابع رغوة وزبدا.
أجل لقد هجموا على الشدائد فاخذوها قبل أن تأخذهم وعلى ألسنتهم قول القائل : تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما يقولون هذا مورد قلت قد رأى ولكن نفس الحر تحتمل الظما ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطن الدما ألا ليت أمتنا تعلم ذلك حتى لا تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.
والله الهادي سواءالسبيل
الشيخ / عبدالظاهر عبد الله علي
وقبل وصولهم إلى المدينة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم بهم وأستشار أصحابه ورأوا أنهم لا قبل لهم بهولاء إذا ألتحموا بهم وأشار سلمان الفارسي بحفر الخندق ومكث المسلمون قرابة شهر يحفرون الخندق.
وقبل وصول الجيش الزاحف إلى المدينة كان المسلمون قد فرغوا من تحصين مدينتهم بحفر الخندق فلما بلغت الأحزاب المدينة ورأوا الخندق قالوا هذه كانت مكيدة ما كانت العرب تعرفها قبل ذلك ووقف جيش الأحزاب أمام الخندق.
وكلما حاول بعض جندهم أقتحامه حاربهم المسلمون ولم يفلحوا في أقتحامه وسهر المسلمون ليلهم وأيقظوا نهارهم في حراسة ندينتهم ومعهم رسولهم [وحينما حاولت كتيبة من الأحزاب أن تتوجة إلى المنزل رسول اله صلى الله عليه وسلم قاتلهم المسلمون طول نهارهم إلى الليل حتى شغلوهم عن صلاة العصر كما يريدون ودعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومها وقال شغلونا على صلاة العصر ملأ الله بطونهم نارا].
وأستمر الحصار عشرون يوما والمسلمين في دفاع مستميت عن مدينتهم (واستطاع حيى بن أخطب أن يقنع زعيم بني قريضة وأن ينكث عهده مع النبي وأن ينقلب مع الأحزاب) وزلزل المؤمنون زلزالا شديدا وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم وزاغت منهم الأبصار وبلغت قلوبهم الحناجر واخذت الظنون تختلف في الله تعالى.
فالمنافقون قالوا كلاما قبيحا وسخروا مما كان وعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء حفر الخندق حينما وعدهم كنوز كسرى وقيصر فقالوا (يخبركم محمد أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنتم تحفرون الخندق وأحدنا اليوم لا يستطيع أن يبرز إلى الخلاء).
أنهم المرتابون وهم مرضى القلوب وهم المغرورون وفيهم يقول الله تعالى: { وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} ونادى فريق منهم بالرجوع إلى ديارهم وأعتذروا للرسول وقالوا إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا.
أما المؤمنون الصادقون فحينما رأوا الأحزاب تنساب حول المدينة وتضيق عليها الخناق وحينما رأوا يهود بني قريظة قد أنظموا إلى الأحزاب فلم تطر نفوسهم شعاعا بل جابهوا الحاضر المر وهم موطدوا الأمل في غد مشرق كريم وأنها محنة وسوف تزول قريبا وإنها سحابة صيف عن قريب ستنقشع.
فكان موقفهم ما قصه الله علينا في قوله: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} بل هناك ما يشبه الأساطير في مواقف المؤمنين الصادقين في تلك الغزوة إذ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما رأى الأمر قد أشتد على المسلمين أراد أن يخفف عن المسلمين ما هم فيه إذ تحملوا ما لم يتحمله بشر.
فبعث إلى عيينة بن حصن وإلى الحارث بن عوف وهما قائدا غطفان أن يرجعا عن المدينة ولهم ثلث ثمار المدينة واستجاب القوم وبدأت المفاوضات وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زعماء الأنصار سعد بن معاذ سيد الأوس وسعد بن عبادة سيد الخزرج لاستشارتهما في ذلك.
فقالا له يا رسول الله أمرا تحبه فنصنعه أم شيئا أمرك الله به لا بد من العمل به أم شيئا تصنعه لنا؟ قال: بل شئ أصنعه لكم والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب فاردت أن أكسر عنكم شوكتهم إلى أمر ما.
فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعا.
أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا. ما لنا بهذا من حاجة والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم. فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: فأنت وذاك.
وكان الرسول قد كتب صحيفة لغطفان فأخذها سعد ومحا ما فيها وقال: ليجهدوا علينا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعيينة والحارث: أرجعا بيننا وبينكم السيف.
إنه موقف يكشف عن جوهر المسلمين ونفاسة معدنهم وصلابة عودهم وحقيقة اتصالهم بالله وبرسوله وبالإسلام وتفانيهم في سبيل مبدئهم، أنه اتصال يفرضه إيمانهم العميق بعقيدتهم الراسخة وثقتهم التي لا حدود لها بوعد الله وأنهم أقوى ما يكونون صلة بالله وثقة بوعده إبان المحن والشدائد والنوازل التي لم تزد عودهم إلا صلابة ونفوسهم إلا صفاءا وقلوبهم إلا يقينا.
أنه موقف يبين ما تمتلئ به روح المسلمين من قدرة على مواجهة المواقف الحرجة بالصبر والصمود والاحتمال ومن رغبة جياشة في قهر العدو مهما تكتلت قواته وكثر سلاحه أو تعدد حلفاؤه وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (إن الله تعالى ليجرب عبده بالبلاء كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار فمنهم من يخرج أبيض ناصعا كالذهب الأبريز ومنهم من يخرج دون ذلك ومنهم من يخرج أسود محترقا).
أن هذه المعركة لم تكن معركة قتال بقدر ما كانت معركة أعصاب إذ القتلى من الفريقين يعدون على الأصابع ولقد وقع ثقل المقاومة والدفاع فيها على أصحاب الإيمان الراسخ والنجدة الرائعة فكان عليهم أن يكتموا مظاهر القلق التي أنبعثت في نفوس الخوارة الهلوع وأن يعشيعوا موجة الاقدام والشجاعة تغلب نزعات الجبن والتردد التي بدت هنا وهناك عند ذوي الإيمان الضعيف.
ولقد ظهر المؤمنون الصادقون ذوي نفوس صلبة فحينما مرت العواصف المجتاحة بهم تكسرت حدتها على متن إيمانهم وتحولت الزوابع رغوة وزبدا.
أجل لقد هجموا على الشدائد فاخذوها قبل أن تأخذهم وعلى ألسنتهم قول القائل : تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما يقولون هذا مورد قلت قد رأى ولكن نفس الحر تحتمل الظما ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطن الدما ألا ليت أمتنا تعلم ذلك حتى لا تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.
والله الهادي سواءالسبيل
الشيخ / عبدالظاهر عبد الله علي